سورة الشورى - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشورى)


        


{أَمِ اتَّخَذُوا} بل اتخذوا، أي: الكافرون، {مِنْ دُونِهِ} أي: من دون الله، {أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: وليك يا محمد وولي من اتبعك، {وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ} من أمر الدين، {فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} يقضي فيه ويحكم يوم القيامة بالفصل الذي يزيل الريب، {ذَلِكُمُ اللَّهُ} الذي يحكم بين المختلفين هو، {رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.
{فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} من مثل خلقكم حلائل، قيل: إنما قال: {من أنفسكم} لأنه خلق حواء من ضلع آدم. {وَمِنَ الأنْعَامِ أَزْوَاجًا} أصنافًا ذكورًا وإناثًا، {يَذْرَؤُكُمْ} يخلقكم، {فِيهِ} أي: في الرحم. وقيل: في البطن. وقيل: على هذا الوجه من الخلقة. قال مجاهد: نسلا بعد نسل من الناس والأنعام. وقيل: {في}، بمعنى الباء، أي: يذرؤكم به. وقيل: معناه يكثركم بالتزويج. {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} {مثل} صلة، أي: ليس هو كشيء، فأدخل المثل للتوكيد، كقوله: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به} [البقرة- 137]، وقيل: الكاف صلة، مجازه: ليس مثله شيء. قال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس له نظير. {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.
{لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} مفاتيح الرزق في السموات والأرض. قال الكلبي: المطر والنبات. {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} لأن مفاتيح الرزق بيده، {إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.
قوله عز وجل: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ} بَيَّن وسن لكم، {مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} وهو أول أنبياء الشريعة. قال مجاهد: أوصيناك وإياه يا محمد دينًا واحدًا. {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} من القرآن وشرائع الإسلام، {وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى} واختلفوا في وجه الآية: فقال قتادة: تحليل الحلال وتحريم الحرام. وقال الحكم: تحريم الأمهات والبنات والأخوات.
وقال مجاهد: لم يبعث الله نبيًا إلا وصاه بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والإقرار لله بالطاعة له، فذلك دينه الذي شرع لهم.
وقيل: هو التوحيد والبراءة من الشرك. وقيل: هو ما ذكر من بعد، وهو قوله: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} بعث الله الأنبياء كلهم بإقامة الدين والألفة والجماعة وترك الفرقة والمخالفة.
{كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} من التوحيد ورفض الأوثان ثم قال: {اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ} يصطفي إليه من عباده من يشاء، {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} يقبل إلى طاعته.


{وَمَا تَفَرَّقُوا} يعني أهل الأديان المختلفة، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: يعني أهل الكتاب كما ذكر في سورة المنفكين. {إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ} بأن الفرقة ضلالة ولكنهم فعلوا ذلك، {بَغْيًا بَيْنَهُمْ} أي: للبغي، قال عطاء: يعني بغيًا بينهم على محمد صلى الله عليه وسلم، {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ} في تأخير العذاب عنهم، {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} وهو يوم القيامة، {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} بين من آمن وكفر، يعني أنزل العذاب بالمكذبين في الدنيا، {وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ} يعني اليهود والنصارى، {مِنْ بَعْدِهِمْ} من بعد أنبيائهم، وقيل: من بعد الأمم الخالية. وقال قتادة: معناه من قبلهم أي: من قبل مشركي مكة. {لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} أي: من محمد صلى الله عليه وسلم.
{فَلِذَلِكَ فَادْعُ} أي: فإلى ذلك كما يقال دعوت إلى فلان ولفلان، وذلك إشارة إلى ما وصى به الأنبياء من التوحيد، {وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} اثبت على الدين الذي أمرت به، {وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ} أي: آمنت بكتب الله كلها، {وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ} أن أعدل بينكم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: أمرت أن لا أحيف عليكم بأكثر مما افترض الله عليكم من الأحكام. وقيل: لأعدل بينكم في جميع الأحوال والأشياء، {اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} يعني: إلهنا واحد، وإن اختلفت أعمالنا، فكل يجازى بعمله، {لا حُجَّةَ} لا خصومة، {بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} نسختها آية القتال، فإذا لم يؤمر بالقتال وأمر بالدعوة لم يكن بينه وبين من لا يجيب خصومة، {اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا} في المعاد لفصل القضاء، {وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}.


{وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ} يخاصمون في دين الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم. وقال قتادة: هم اليهود قالوا: كتابنا قبل كتابكم، ونبينا قبل نبيكم، فنحن خير منكم، فهذه خصومتهم. {مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ} أي: استجاب له الناس فأسلموا ودخلوا في دينه لظهور معجزته، {حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ} خصومتهم باطلة، {عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} في الآخرة. {اللَّهُ الَّذِي أَنزلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ} قال قتادة، ومجاهد، ومقاتل: سمي العدل ميزانًا لأن الميزان آلة الإنصاف والتسوية. قال ابن عباس رضي الله عنهما: أمر الله تعالى بالوفاء، ونهى عن البخس {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} ولم يقل قريبة لأن تأنيثها غير حقيقي، ومجازه: الوقت. وقال الكسائي: إتيانها قريب. قال مقاتل: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الساعة وعنده قوم من المشركين، قالوا تكذيبًا: متى تكون الساعة؟ فأنزل الله هذه الآية: {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا} ظنًا منهم أنها غير آتية، {وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ} أي: خائفون، {مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ} أنها آتية لا ريب فيها، {أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ} يخاصمون، وقيل: تدخلهم المرية والشك، {فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6